على هامش الحوار مع الأستاذ طلال عفيفي مؤسس سودان فيلم فاكتوري..
حضرت قبل الموعد المضروب مسبقاً، كان المكان هاديء لكنه يشي بالكثير من الضجة التي لا تبوح بكل روحها في الأصوات العالية للحوارات الحميمة العميقة التي تضبط نبراتها على موجة من الشغف العالي الواضح، ينبيء كل ذلك بأنّ شعلة العمل في أوج اتقادها الأبدي.
في عز العطش ,والقلق والترقب والتوتر- ولا غرو في الدار السودانية لصناعة السينما إن جازت الترجمة وصح التعبير.
قدمت لي الآنسة اللطيفة التي كانت في مكانها المناسب تماماً كأساً من الماء “يرحمن” بما فيه من سعة و”روقان” يتسق تماماً مع صفاء الماء في ذات الحين كمٌ من الابتسامات الصافية “رهيب” جميل في بلد يصرخ جل مافيه تعباً ونصباً وإرهاقاً أصيلا. حسناً يبدو التعب هنا حاضراً بشدة، ليس فقط في تنهيدة صاحبة آخر الابتسامات، وهي تشاركنا المكان لتفرز بعض الأزياء وتصوّرها من قبيل التوثيق..
في انتظار الوحش جلست وقد أصابتني عدوى الهدوء والاسترخاء، أكتب في بهو تبعثرت فيه الأشياء بانشغال. طلبت مني الموظفة اللطيفة الانتظار لنصف ساعة أخرى، فرحبت جداً، ربما هي فرصة لاستمتع أكثر بهذا الهدوء الحميم، والخروج بلقاء أكثر دسامة لأضيفه إلى صفحة الحوار في موقعي الذي بدأت الكتابة فيه للتو. مرة أخرى تدهمني إيلاف – كما عرفت فيما بعد أن هذا اسمها، بالسؤال الحميم، وتصمم على تقديم شيء للشرب على سبيل الضيافة- بيد أن الابتسامات الجميلة كانت كافية جداً من كل من في المكان وأنا أعتقد بشدة أن نصفهم على الأقل زواراً مثلي أخذهم دفء الدار أخذا فلا تكاد تميزهم عن طاقم العمل الرسمي في الدار. خرجت إيلاف إلى حيث القهوة وانبعثت وراءها موسيقى عربية الألحان عذبة في آذان القلب جميلة الرائحة، يا للهول هل تُعزف الموسيقى هنا على الدوام؟ لم لا؟ ربما بعض الموسيقى المحفزة على الإبداع والتركيز طالما يتسع المكان للمبتكر الجديد من أفضل الممارسات في حقل الإبداع وإنتاج الابتكار….لم ينتقص من جمال الشعور أن كانت هذه الموسيقى تنبعث من هاتف المصممة الجميلة التي كانت قد تركته قريبا وقصدت هي الأخرى مكاناً قريباً، فأعادها إلى الغرفة، ودخلنا في حوار لطيف حول العمل الحر والعمل في المهن الفنية وصناعة الجمال، وضرورة أن نفكر في نشر ما نحمل من معارف وثقافات وإبداعات وقدرات ونتشارك كل ذلك على المستوى الإنساني العريض..كان الاتفاق بالإجماع على جمال الفكرة وضرورة التفكير في طرق لتنفيذها على المستوى الشخصي والمهني. تحدثنا عن العلاقات بين المشتغلين في الأعمال الحرة وبين من يقفون على عتبات العمل الحر وينظرون بعين الخوف إلى قيد الوظيفة اللعين. ربما ينبغي أن نتحد في حركة إنسانية عامة مع العمل الحر ودعم بعضنا البعض على أن نكون مقدمين للفرص والأعمال بدلاً عن أن نجري طوال العمر بحثا وسعياً عن تلك الفرص أو الوظائف ممكنة كانت أو مستحيلة.
كانت تلك هي المرة الأولى التي جمعتني مع الأستاذ طلال عفيفي على الرغم من أننا التقينا كثيرا في محيط أصدقاء مشتركين، ولكنه كان مثل صديق قديم في أريحية الحديث والتهذيب واللطف والكرم. إنّه الآن في عرف الجميع وبما فيهم أنا لا يقل عن أبطال الأولمبياد أو رواد الحركات الاجتماعية أو الثقافية والفنية في شيء كبير أو قليل، بيد أنني أهدف من خلال الحوار إلى إبراز الجوانب الإنسانية في رحلة نجاح الأستاذ طلال في تحويل حلمه إلى حقيقة تمشي على آلاف الأرجل من صناع السينما في السودان والعالم. لقد كان هوميروس في إلياذته الشهيرة يعمد أيضاً من خلال مشهد تفاوض الأصدقاء معه على العودة للقتال في صف جيش بلاده والصلح مع رفيقه وقائد جيشه أغاممنون، كان هوميروس يلقي الضوء على الجانب الإنساني من روح وحياة البطل أخيل، الذي أعطاه الآلهة الخلود، وعرف أعدائه استحالة النصر في وجوده، فأرسل له صديق طفولته، وها أنا ربما أظهر لطلال كشبح من زمن الصبا لألتقيه وجهاً لوجه بعد فترة قاربت العقدين من الزمان. لألقي بحواري الضوء على تجربته الاستثنائية ليس في سعيه لإنعاش السينما السودانية فقط، بل تقويتها وتحسينها ورتق الفجوة العملاقة في التكنولوجيا والأداء والانتاج حتى يبدو ما انقطع من مسيرتها كما لو أنّه قد وصل في تطور طبيعي إلى مصاف الانتاج العالمي المحكم والمرموق. التحية للدار السودانية لصناعة السينما Sudan Film Factory، وربانها المحنك الأستاذ طلال عفيفي
دار الحوار في 11 أكتوبر 2018 في دار سودان فيلم فاكتوري العامرة الدافئة بحق..
وتم نشر هذه الخاطرة في يومياتي بالفيسبوك.
Leave a reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.