عندما التقيت بالدكتورة أماني صلاح!
ظاهرة ريادية سودانية ولكن من وراء الكواليس
المقالة ثمرة حوار مع د. أماني صلاح تم نشره من قبل في مجلة السمراء عدد يناير 2018
منذ المرة الأولى، لفتت انتباهي على الفور، لم أربط بينها وبين ما اسمعه عنها من عبارات التعظيم والتقدير والإجلال، ليس لشيء إلا لأنني سرحت بسرعة في شخصيتها وحضورها، كان لها حضوراً بهياً وهي نجمة بلا منازع، تختطف الأضواء بسهولة وبسرعة شديدة. إنسانة تبدو عليها الأناقة البسيطة من النوع الذي أحبّ، وتشعٌ عينيها وملامحها بالطاقة والحكمة والجمال والمحبة والتعاطف العميق. ليس هذا فقط لكني تفاءلت بها، فقد تزامنت رؤيتها لأول مرة مع وصولي لمستوى أعلى وحاسم في العمل.
عرفت في ذلك اليوم أنّها سيدة عظيمة، كانت تتحدث بكل بساطة وثقة، وكانت تناضل في معركة استنزاف للطاقة الإيجابية كسبتها لصالح الجميع، ولكنها كانت شعلة من الحماس والثبات والصمود والأمل والحكمة والذكاء والابتسامة، والفكاهة والمحبة والتعاطف والتفهم والاحترام وأشياء كثيرة أخرى..كانت وحدها شعباً فاضلاً ناجحاً رائعاً جميلاً طوال ساعتين من النقاش المحتدم، الذي لا يصلح إلا أن اسميه صراع العمالقة. حيث تقابلت الممكنات بالمستحيلات، والذرائع والحلول، والأبواب المغلقة عمداً والمفاتيح السحرية التي تحيل المستحيل إلى ممكن.
فمن هي أماني صلاح؟
أماني سيدة سودانية كما تقول وبشدة. تضع بيتها وأسرتها في قائمة أولوياتها..تؤمن بأنّ مصير الإنسان في يده، وأنّ الله جعل الخير لينتصر. تؤمن بأحلامها وبقدرتها على تحقيقها، تعرف أن الحياة الكريمة حق لكل إنسان وأن العمل من أجل الحياة الكريمة حق على كل إنسان، ليس فقط من أجله ولكن من أجل الجميع.
أماني شخصية بسيطة، مثقفة، ذات لغة رفيعة وأسلوب راق، وهي أيضاً متفهمة، صبورة، مثابرة، مجتهدة، واعية، حساسة، وعاطفية جداً، وتتسم بأخلاق رائعة وجميلة، وتحب السلام والانسجام والتناغم، وتفعل ماهو صحيح وما يجب عليها دون أن تربطه بتقصير الآخرين أو اختيارهم غير ذلك. ولكن ماهو غير العادي في حياة هذه الإيقونة السودانية التي أعتقد أنّها من أهم الشخصيات السودانية على الإطلاق. ورغم بقائها وراء الكواليس وعدم ظهورها في الإعلام فأثرها على الاقتصاد السوداني واقتصاد المرأة وتغيير حياتها وفتح المزيد من الفرص أمامها وتمكينها لا يمكن تجاهله. بل من الغريب تجاهله.
لقد أصبت بمزيج من الدهشة والاستغراب والاستحياء عندما بحثت في الانترنت مستخدمة اسمها باللغتين العربية والانجليزية فلم أجد ما يزيد على ثلاثة روابط أو أربعة بالكثير تذكرها. من ضمنها لقاء قبل ست سنوات مع صحفي سوداني مقيم بالإمارات وليس السودان.
لم تكن الدكتورة أماني صلاح مختلفة فقط بإنجازاتها في السودان وفي مجال الاستقلال الاقتصادي للمرأة السودانية، ولكنها كانت مختلفة في ظروف تنشئتها ودراستها، فقد نشأت في بريطانيا ودرست في الجامعة واحد من أكثر التخصصات ندرة وهو تأريخ الأفكار History of Ideas، وهو تخصص نادر ويمت بصلة وثيقة لما يعرف بالتأريخ الفكري الآن والذي حصلت على درجة الماجستير فيه، لكنها عادت إلى السودان الجغرافي بعد أن أقامت فيه كثيراً في مخيلتها ومن خلال ارتباطها وعلاقتها الرائعة بوالديها الذين استطيع أن استشعر وطنيتهما العظيمة رغم الحواجز بيني وبينهما في الأبعاد الستة! فكان أن تبعت قلبها لتطلب درجة الدكتوراة في التأريخ وهذه المرة في تأريخ أمدر في فترة الاستعمار الانجليزي أي من عام 1898-1956 وتحديداً في التعدد الاثني الذي تتميز به هذه المدينة منذ نشأتها.
إنّها أماني الرائدة، التي لم تتوقف لحظة عن الإيمان بدورها في التغيير وقدرتها على تحقيقه، فكان أن كرست جزءاً كبيراً من حياتها وتفكيرها وجهودها في سبيل مشروع لم تقصد به تحسين أوضاعها الاقتصادية فقط بل قصدت به تحسين الاقتصاد النسوي في السودان إن جاز التعبير طبعاً. وقد بدأت بمن حولها مطبقة أفضل الممارسات في صنع التغيير والتطور، لقد بدأت بأسرتها وصديقاتها وزميلاتها، وجلبت إلى السودان أكبر شركة تجميل تعمل بالبيع المباشر في أوربا. والعالم في القريب. أوريفليم السويد..وتلك حكاية أخرى..
أوريفليم السويد فرع السودان..
مشروع سوداني أصيل فالشركة لم تتطلب التوسع في السودان ولم تبحث عنه، لكن أماني هي من أجبرتها على الاهتمام والاستجابة والتعامل مع السودان كأحد الأسواق الواعدة للمنتجات الطبيعية والفكرة التسويقية والفرصة التنموية العظيمة التي تتيحها أوريفليم للإنسان بنوعيه وخاصة النساء كما بدأت أوريفليم ولا زالت تستقطب النساء بشكل كبير، رغم أن مؤسسيها كانوا من الرجال. لكن نظراً لطبيعة العمل المرنة والناعمة والمرتبطة بشكل أساسي بأنشطة المرأة في رعاية وتدبير المنزل ومواد التجميل فقد لاقت رواجاً بين النساء في السودان وغيره من دول العالم.
يبلغ عدد مستشارات أوريفليم اللواتي يتقاضين عمولة راتبة من الشركة ألفي إمراة. وهذا عدد هائل مقارنة بشركة خاصة، هذا بالإضافة إلى المكافآت والهدايا الأخرى التي ينطوي عليها نظام الشركة التحفيزي، والذي لمن لا يعرفه يتعامل مع المستشارين- يعرفون بشكل أكبر باسم المناديب- على أنّهم أصحاب عمل. فيحصلون على نسبة فورية عبارة عن الفرق بين سعر العضوية وسعر الكاتلوج، وعلى هدايا شهرية ودورية عند تحقيق أهداف معينة تطرحها الشركة على فترات متقاربة، هذا غير العمولة الراتبة التي تعادل فرق النسبة بين العضو وفريق عمله، وبذلك تختلف كثيراً عن شركات التسويق الشبكي التي يعتمد فيها الربح الطريقة الهرمية التراكمية للأموال. ففي أوريفليم لا تتعلق الأرباح بعدد المشتركين بقدر ارتباطها بحجم العمل الشخصي، كما إن نظام عمل أوريفليم من النظم المفتوحة التي تتسم بميزة تكافؤ الفرص، حيث يمكن أن يتفوق العضو الجديد على الأعضاء الأقدم منه في مستوى النجاح وحجم العمولة الراتبة. بينما العمولة الفورية عن بيع المنتجات للمستهلكين تظل ثابتة للجميع سواء أكانوا قدامى أو جدد.
تعمل الدكتورة أماني صلاح في صمت، وصبر وترعى الموظفين ومدراء فرق البيع المستقلين مثلما ترعى أطفالها فهي أم بالفطرة، وأنا أعتبرها أم السودانيات جميعاً. فقد اختارت من أجلهن أفضل الشركات من حيث الأخلاقيات في العالم، وجلبتها إليهن وبنتها لبنة لبنة، حيث كل لبنة معجونة بالعرق والدموع ومثبتة بصخور الصبر والتصميم ومتراصة في تماسك نظام العمل الذي قارب على عامه العشرين.
فتحت الدكتورة أماني صلاح الباب للسودانيات لتحسين أوضاعهن المادية وتحقيق أحلامهن والاستمتاع بوقتهن ومساعدة المجتمع السوداني بزيادة عدد المنتجين وتوفير وظائف في وقت باتت فيه الوظيفة أعز من “حليب الطير”. فلا يحتاج من ينضم للشركة إلى وساطة ولا مؤهلات أكاديمية أو شخصية أو غيرها. بل يحتاج إلى الطموح والشغف والرغبة في الاستقلال الشخصي والأحلام التي تمثل الوقود لقطار النجاح السريع كما قيل في إحدى مؤتمرات الشركة العالمية. ومن خلال أوريفليم وعبر الإدارة العظيمة للسيدة الدكتورة أماني صلاح، استطاعت المرأة السودانية الحصول على التدريب اللازم لبدء عملها الخاص مع أوريفليم والاستفادة من وجود كمية ضخمة من المنتجات ذات القيمة السوقية العالية في متناول يدها، ونسبة مجزية من الربح من بيع المنتجات. فأنشأت الشركة أكاديمية الجمال وأكاديمية الأعمال إسوة بفروع الشركة في مختلف دول العالم، وأصبحت تدرس فيها أحدث المناهج للتسويق والمبيعات والتوظيف وإدارة الأفراد والمجموعات بالإضافة إلى التجميل والعناية بالبشرة والشعر والجسم وفق منظومة من الممارسات التي تعد الأفضل في المجال، وبمنتجات لا يتوفر في جودتها ولا أمانها ولا فخامتها في الأسواق السودانية. فكانت نقلة أخرى على الصعيد الشخصي بتحسين جودة حياة المنضويات تحت مظلة الشركة.
ظلت أماني صلاح طوال ثمانية عشر عاماً تزرع الأمل والحماس والثقة والحب في قلوب أمهات وإخوات وبنات السودان دون كلل أو ملل بل لا تتخيل نفسها يوماً سوف تتوقف عن ذلك.
أماني شخصية العام
إن لم تكن شخصية العام في عام 1998 وكل عام قبلها فهي شخصية هذا العام بلا منازع، لقد صارعت المستحيل لتظل هنالك فرصة عمل مجزية وظروف عمل مرنة للسيدات في السودان، وكانت تشجع الجميع على الاستمرار في مشاريعهن ففرصة أوريفليم ليست سوى مشروع تجاري ريادي ممتاز بكل المقاييس لا يوازيه سوى مفهوم الامتياز التجاري ولكن دون أية تكاليف. تخيلوا أن تحصلوا على امتياز شركة أوربية من أكبر الشركات حجماً ورأسمالاً وأكثرها نزاهةً وأجملها سمعة في السوق وعلى المستوى الأخلاقي، بل وتلتزم بمسؤولية كبيرة تجاه البيئة والأطفال والحيوان، وتنتج آلاف المستحضرات الطبيعية عالية الجودة الحصرية الفاخرة وبأثمان تقترب من قيمة تكلفتها، وفي ذات الوقت لا تشغلون بالكم بالشحن ولا التخزين ولا الإدارة، بل تقفزون إلى البيع. ليس هذا فقط بل بإمكانكم الدخول في شراكة مع الشركة نفسها بنسبة لا تقل عن الخمس. أي فرصة قدمت هذه السيدة وأي عقل خطط وقرر وأي إرادة ثابرت واستمرت وأي قلب أحب وبذل وأعطى وما زال.
لقد خفف ظهورها في حلقات منافسة مشروعي التلفزيونية الأخيرة من مرارة الإهمال والتجاهل لأثر أوريفليم التي جلبت مفهوم ريادة الأعمال إلى الثقافة النسوية بل وقدمت الكثير من التدريبات المجانية التي ما زالت تقدمها حتى الآن إلى الآف السيدات سنوياً ودون مقابل.
مفاتيح النجاح
لم تكن المفاتيح بعيدة عن شخصيتها وإيمانها بفكرتها فأماني تمتلك شخصية ريادية أصيلة ومنذ بداية حياتها، فقد بدأت العمل منذ أن كانت طالبة فقط لتشبع حاجتها إلى الاستقلال المادي وهو الشيء الذي أصبحت تقدم للجميع الفرصة للحصول عليه، الرغبة الشديدة في الانتاج وعدم الركون إلى الراحة، والتفكير المتسارع والحثيث لإيجاد الحلول بدلاً عن كيل اللعنات للظلام. عندما قدمت أماني من بريطانيا وهي خريجة جامعية مثقفة وعلى درجة رفيعة من الوعي لم تجد وظيفة وأحبطت بالوضع العام من الركود والبطالة و”عدم الموضوع” في أوساط السودانيات. لم تتعامل مع الأمر كما أسميته بل رأت في ذلك الفرص، رأت في الركود السوق المفتوح الذي سيفتح ذراعيه لمنتجات جديدة جيدة وبأسعار مناسبة، وجدت في معدلات البطالة الكبيرة موارد بشرية هائلة في انتظار من يوظفها، ورأت في عدم الموضوع فراغ لابد أن توفر ما يملؤه.
فبدلاً عن البحث عن وظيفة فقط صارت تبحث في الطرق الممكنة لخلق وظيفة ليس لها فقط بل للجميع. فاتبعت الحدس الريادي الفطري، وإيمانها القوي بفكرتها وقدرتها على تحقيقها، وتوجت هذه الصفات بالتزامها الشديد وإخلاصها للفكرة وحبها للخير للناس فنجحت.
عندما سألتها عن أهم أسباب النجاح في أداء مهامك اليومية الكثيرة وأنت تديرين على الأقل ثلاث مؤسسات أو تشاركين في إدارتها بقسم كبير، أجابتني أن ترتيب الأولويات وعمل قائمة للمهام اليومية ولا استريح قبل إكمالها. كما أنّني لاحظت أنّها تبدأ عملها باكراً وتنتهي باكراً فهي سيدة أعمال محنكة وسودانية من الطراز الأول تعرف أن “ود البدري سمين”، وتعرف ذلك بطريقة عملية جداً.
تحوّل الدكتورة أماني صلاح بأنامل مدياس كل لا يعجبها في بيئتها إلى شيء جميل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وإن لم تستطع فهي تغير شعورها ناحيته وتبحث عن أجمل مافيه، وهي تذكرني دائماً بمقولة أوبرا وينفري : ” كنت دائماً أرى في الناس أفضل مافيهم رغم أنّهم يحرصون على أن يظهروا لي أسوأ مافيهم”. وهي أوبرا ذاتها التي تقول عن أسباب نجاحها أنّها ” لم تفقد الإمل لحظة ولا الإيمان بنفسها وقدرها”.
إنها فعلا أوبرا وينفري السودان، فهنيئاً لنا بها ويا أسفاه لو لم نستطع الاستفادة من هذه الظاهرة الجبارة لخلق نهضة اقتصادية واجتماعية ونسوية جديدة في السودان.
وللحديث بقية..
أميمة حسن
أوريفليم السودان
دايركتر كود 928340
#سأفرح_سأنجح_سأحتفي_وسأكون_مركز_الطاقة_الإيجابية_للجميع
#أنا_أوريفليمي_ة_أنا_إيجابي_ة
Leave a reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.